top of page
Search
Writer's pictureRaghad Bushnaq

زاوية جدي

ينما اعتاد جميع أفراد العائلة الدخول لأخذ قيلولة بعد الغداء كان جدي يجلس في زاويته المعهودة في غرفة الجلوس ممسكاً بسبحته في سكينة و هدوء بينما تحيط به هالة من نور تكاد عيني تلك الطفلة ذات الأعوام القليلة لا تستطيع إدراكها و لا معرفة مصدرها بالتحديد . تراها شمس العصرية أم عساه إشعاع نوراني مصدره ذلك الرجل الصالح!


لقد كان لجدي جلستي ذكر يومياً واحدة بعد الفجر و الثانية بعد العصر

أما تلك الجلسة الصباحية فلم يتثنى لي أن أراها لأنه كان يقضيها في المسجد رغم أن والدتي أخبرتني كثيراً أنه كان يحملني بين ذراعيه معه إلى المسجد عندما كنت أواصل البكاء في الليل فيعود بي بعد الفجر غارقة في نوم هانىء ، لكنني كنت يومها طفلة ذات أشهر قليلة


أما جلسة الذكر الثانية فكان يقضيها في منزله الذي ملأته الطمأنينة و الحبور و بين أفراد عائلته الذين لم أعهدهم يوماً طيلة حياتي يتحدثون بصوت عال أو يذكرون أحداً بسوء


نعم كان جدي رجلاً صالحاً و كان له باع في أمور الخير التي لم نعرف أكثرها إلا بعد مماته

كانت جدتي تقول أن زرع الحديقة الغناء بأكمله قد ذبل و مات حرناً عى جدي بعد أن ووري الثرى رحمه الله


أذكر يوماً أني كنت ألعب أمامه بينما هو جالس على ديوانه في زاويته المعتادة يذكر الله و كعادة الأطفال حين يكونون مسرورين تعلو أصواتهم بعض الشيء و كأني بذلك الضجيج الخافت قد قطعت عليه خلوته فأومأ إلي حانياً فانتبهت و نظرت إليه فإذا بابتسامته الهادئة تغمرني حباً و عطفاً و حناناً و أكمل ذكره المسائي بينما أخذت أسترق النظر إليه بحياء متابعة لعبي ، لا أذكر إن كان يومها يلبس البياض من فرقه إلى قدمه لكني أذكر أنه كان على هيئة بيضاء محاطة بهالة نورانية ساحرة ، تكاد هيئته لا تفارق ذاكرتي


لقد ترك هذا الرجل الصالح بصمة نور في قلب تلك الصغيرة التي لم تلوث فطرتها بعد بمشاغل الحياة و مشاكلها و تعبها و صدأها ، هذه البصمة صقلت مع الأيام لتصبح الملجأ الذي أهرع عليه كلما حزبني أمر أو اشتدت بي المحن فأجد فيها الأمن و السلام و الاطمئنان


16 views0 comments

Comments


bottom of page